ابناء الوطن

بدايةً أحب ان اشير بأنني لم اكن يوماً ممن فقدوا الآمل في الحياة وتغلب عليهم اليأس, ومنذ فترة ليست بقريبة قررت عدم الإفصاح عن أي رأي لي ربما يعكس ما اعانيه من إحباط. على العكس, قررت بيني وبين نفسي ان أحاول قدر المستطاع ان انظر إلى النصف الممتلئ من الكوب دوماً وذلك بكل بساطة يرجع لسبب قد توصلت إليه موخراً أيضاً وهو ان العالم لن يتأثر بأي رأي بائس قد افصح عنه. دعوني أعيد تكرار الجملة السابقة على محور اوسع قليلاً: العالم لن يتأثر ولن يتغير من بكاء شباب قد غلبهم اليأس ولم يتبقى بشرى للأمل في قلوبهم.
الذين يعرفونني في غالب الوقت يقولون ان السمة التي اتميز بها هي "التفاهه." بكل دواعي الفخر اقول انني قد استطعت على مدار ثلاثة اعوام او ربما أثنان ان اتحول من شاب مثقف مهتم ومُلم بجل ما يدور حوله وبما يدور حول العالم إلى شاب سطحي تافه, اقرب ما يكون للسذاجه عن النضوج. ربما أصبحت كذلك لأنني ماعدت استطيع تحمل ما يجرى من حولي. ليس على المستوى الشخصي فقط بل على مستوى المجتمع من حولي. وعلى الرغم أن اغلب من اتعامل معهم يومياً تتساقط منهم طاقة إيجابية كما يتساقط الماء من الدلو الممتلئ, لكن رغم انف هذا الوضع الصحي تماماً قد تغلبت السوداويه على ما تبقى من امالي.
منذ عام ونصف بالتحديد قررت الا اسير مع قطيع الشباب الذين يخرجون إحباطهم في سب ولعن مصر, والسخريه من اسمها ومن شعبها. السخرية التي اصبحت لعنة هذا الشعب فلم يعد هنالك شئ يؤخذ بجديه. ولطالما غضبت وعلى أثره بدأت في سب هؤلاء الشباب "الفشله" مثلما رأيتهم حينها. فكنت أرى ان هؤلاء ممن لا يجيدون شئ سوى الجلوس على المقاهي ولعن كل شئ يحدث والتهكم على كل كبيرة وصغيره بل فضلوا تلك الحياة الرديئه عن البحث عن وظيفه يدفنوا سلبيتهم فيها. لكن يشاء الله ان اتفهم ما يدور في خلدهم, أو هكذا اظن.
هنالك مشهد يدور في رأسي مراراً وتكراراً بين الحين والآخر. عباءة سوداء سقطت من حيث لا أدرى فوق مصر فأغرقتنا في ظلام حالك لا مفر منه. وكوننا أمة واعية وذكيه, قررنا ان نلقي العبئ واللوم والمسئوليه على بعضنا البعض عوضاً عن إزاحة تلك العباءة من فوق رؤوسنا. هل هم الشباب مصدر تلك الطاقة السوداء؟ ام هي الحكومه؟ لا لا, لابد انهم جيل اباءنا هم السبب وراء ذلك. الشباب "العاطل" لا يريدون التحرك موطئ قدم في خطى المستقبل, هم السبب. الحكومة تفتعل قدر ما شاء الله لها كل الأسباب لتضييق الأنفاس على شعبها. بل أن جيل الأباء هم من سرقوا احلامنا ووقفوا ضد كل من قال لا خوفاً من التغيير.
في حقيقة الأمر لقد تحول هذا المجتمع إلى مجتمع ميلودرامي عاشق للتعاسة بالدرجة الأولى. فالكل يبحث عن شتى الأسباب لخلق شقاء وعناء للآخر. هنالك كم هائل من الكراهية والحقد تجاه احدنا الآخر ولا احد فينا يملك الشجاعة الكافية للإعتراف بدوره في خلق هذا "المناخ التشائمي". أعتقد ان الحكومة وجميع العاملين بكل قطاعاتها حول القطر المصري, من اصغر عامل إلى أكبر مسؤول; يستيقظون صباحاً مفكرين كيف نجعل حياة المواطن اكثر إزدراءاً وعلى الجانب الآخر ترى أغلب فئة الشباب يستيقظوا في نفس الموعد وعلى اثرهم يفكروا كيف نسخر من قرارات الحكومه الجيد منها والسئ وكيف نترك اعمالنا واشغالنا ونجعل السخرية اكبر ما يشغلنا, أما على ضفة ثالثة شديده البعد ترى باقي الفئات الأكثر إنتشاراً في مجتمعنا مشغولة في صنع تماثيل جديده غير الملايين من التماثيل الذين صنعوا في الأمس لأصنامهم الذين يعبدون سواء رأس الدولة او من سبقه.
هل شاهدتم فيلم اسكندرية ليه ليوسف شاهين؟ هنالك مشهد عبقري للراحلان محمود المليجي واحمد زكي. مشهد "وعايزني اكسبها" على الرغم من كم العبقرية في ذلك المشهد إلا ان ما اريد ان اقتصه من هو بضع كلمات في جملة قالها المليجي. تنفسيه... الكل يبحث عن تنفيسه يخرج فيها همومه. لكن في حالتنا أصبحت التفيسه مصدر ضيق اكثر منا إخراجً للهموم. تنفيسه لا يرتاح صاحبها بعدها بل يختنق على أثر تنفسه هواء الواقع المسمم.
ختاماً أود ان اطرح رأي آخر, وهو بكل بساطه وموضوعيه ان على رغم عشقي وحبي لهذا الوطن في حين وجود كثيراً ممن يحاولون سعياً ودون كلل زرع الكره في قلبي وأعتقد في قلوبنا جميعاً تجاه مصر. يجب علينا اخيراً الإعتراف بالحقيقه التي طالما غابت عنا: متى كان هذا الشعب سعيداً؟ لا اظن ما اظن على مدار تاريخنا كنا سعداء.

حاولت جهداً عدم كتابة ما تقرآ الآن عزيزي القارئ, لكن الحقيقة اننا ابناء الزنى. "ولاد الزواني" كما قالها الراحل نجيب محفوظ, وابناء الوطن الشرعيين يرفضون الإعتراف بنا او بأي حقوق لنا اياً ما كانت. فأولاد الزواني كما هم بإختلاف الزمان والعصور. أما ابناء الوطن الحقيقيين الشرعيين يتغيرون. يتبدل جلدهم ولونهم وتتغير حقيقتهم اللئيمه على حسب الوضع الراهن. فدعونا نترك ما لهم لهم ونتعايش نحن بما لنا في هذا الوطن, واخر ما اقول رد لسؤالً قد يطرح, ما لنا وهل لنا في وطننا شئ؟ احسبوا ما لأولاد الزنى من الشرع في الميراث تجدوا نصيبكم. 

Comments

Popular posts from this blog

تعلم الأنجليزيه في مليون خطوه (عنوان مضلل)

Labeled

روتين... بقلم يمنى فتحي