جزيرة الذات - ذو الوجه الطويل (قصة قصيرة)

لا مفر مما أنا فيه الآن، عشرات الأيام في قلب الأمواج العاتيه ظننتها كافيه لقهر فكرة الموت بداخلي لكن كم كنت مخطئاً!! الخوف يتسرسب بعروقي مع كل خطوه اخطوها علي ظهر هذه الجزيرة الملعونة... يا الله أفكم البلاد و الجزر في عرض البحر لم تشاء الأقدار أن أفقد مسعاي بالبحر و من بعد ان ظننت ان بساط الطريق عاد تحت قدامي أجد نفسي محاصر بين براثن الموت المؤكد فأن لم يكن بأيدي الغرق فسيكون بأسنان قاطني هذه الجزيرة...

أنا ادعى قصي، القبطان قصي. قد جبت أعالي البحار مع طاقم من أشجع البحاره علي متن هيلانه، سفينتي حتي جاء اليوم المشؤوم الذي اطاح فيه بحر اسكندرون بطاقم سفينتي كله و بالمؤون و باكثرية المعدات في عرض البحر تاركاً وراءه ضحايا ليتخير منهم الموت من شاء و تاركاً رفات البقيه حتي يعود ليقبض روحهم بعد عذاب طال او قصر.


من بعد اول لطمة ثم تابعتها الثانية لم أشعر بشئ آخر إلا بعد ان افقت.. لقد فقدت الوعي حين سقط في الماء علي ما يبدو، اشباح تطارد مخيلتي و نظري يحاول استيعاب ما حدث لكن لم يدم طويلاً حيث وجدت نفسي علي أعتاب شاطئ و محاصر بأشلاء محطمة وسط نهر من الدماء مختلط ببحر بارد لا يعرف الرحمة.


"لا زلت أنفس..لازلت حياً" قلت لحالي و يدي تلامس جسدي بحثاً عن اي علامة لإصابة لكن لم أجد. لا أذكر الكثير مما حدث بعد ذلك إلا قليل من البكاء و حزن لا ينقطع على من أخذهم مني البحر و كثيراً من ندب حالي.. حتي زاد الطين بله... يشاع بين أصحاب البحر أن هنالك جزيرة كان هنالك بحاره سقطوا عليها في حرب من الحروب و كان معهم نساء علي متن سفنهم و لم يكن علي تلك الجزيرة اي ملمح من ملامح الحياة فلم يكن هنالك بد إلا أن يقتتل الرجال علي قتل أحدهم الآخر... من عاش يأكل الآخر و يتناسل مع النساء. و من المشاع عن مكان الجزيرة علامة.. شجرها

ينبت ورداً أسود ذو شوك كالسيوف.. و بالتأكيد سوء الحظ يتتابع معي.
يشاء القدر ان تموت هيلانه بطاقمها و انا أعيش ... أعيش لأرى الموت علي اسود بقاع البسيطه.. جزيرة قازون.
و لمن لم يستشف من سردي فهذه الجزيره بؤرة كوابيس اغلب البحاره برغم جمالها الساحر لأنك حتماً تعيش لعدة ايام دون نقطه شراب او طعام, فأذا كنت من الصابرين يمكنك الأصطياد احد المخلوقات لتتغذى عليه او من ثم تخطف من قبل ساكني الجزيره فيقطعون لحمك و يصنعون انواع. الحساء منه ثم يتلذذون في اكلك و إما أن تآكل حياً علي مرة واحدة.
لم أعد قادراً على حساب الساعات التي مرت علي لقد فقدت التعداد بعد العشرين، قضيتهم في البحث عن مصدر طعام لي بعيداً عن الأعين، لكن هيهات لقد اكلوا الأخضر و اليابس.. كدت أموت جوعاً لولا اهتديت إلى بستان وحيد وسط شجيرات النجيل و يكاد يكون مختبئً عن الأعين. مضت ساعات اخري و ليل ملئ بالخوف و تملك الرعشة من أنفاسي يليه نهار ليس به سوي محاولات للهرب من البقعه التي بت بها ليلة البارحة و مع كل تغيير في دورة الساعات أبدا أن احتسب الأيام حتي وصلت إلى 3 أيام بلياليهم، 3 أيام لم التقى فيهم بأحد من قاطني الجزيرة و لأقل لكم الحق بدأت أشك من صحة الأقاويل و ما هي إلا محض هراء يتناقله الرحالة السكاري لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن كما يقال ففي مساء يومي الرابع قد أصابني ألم في معدتي، قلت في ذات نفسي "لابد أن التوت اللعين هو ما صابني بهذا الألم" حاولت قدر المستطاع ان اكتم غيظ انيني داخلي حتي لا أثير شبهات. حول مكاني.. لكم لم استطع ان أحول بين إنطلاق صرخة مدويه انتفض لها جسدي و من بعدها سقطت مغشاً علي...
انا لم أشعر قط بالخوف طيلة السنوات الأربع و ثلاثون التى قضيتها أتنفس حياً، لم أشعر قط برهبه من الموت رغم رؤيتي له مراراً و تكراراً و انا علي متن سفينتي.. لكن في لحظات الصفاء الضئيلة حين ارتفعت جفوني لأعلى كستار منسدل يعود كاشفاً عن ما إمامه و بين لحظات إستيعاب عقلي ما يدور من حوله و يفيق إلى وعي تام.. أدركت انني لا اهاب الموت لأني لم اراه وجها لوجه، لم اعشه، لم يكن قط قريباً مني مثلما هو الأن!! فقط في تلك اللحظة بدأ صوت أنفاسي يتعالى، صوتاً يملئه ندي قطرات سوائل تجف شيئاً فشيئاً من الرعب، عيناي الزرقاوان يختبئان خلف الخوف في محاولة مضنيه لإخفاء دموع الرعب المنسدلة.
حين عاد وعيي قد أحسست بيداي مقيدتين خلفي، كذلك تأكدت عندما نظرت حولي لأرى الحبال حولي "ا..انا مقيد" صعد صوت خافت مني، تعددت نظراتي اكتشف المكان و اتطمئن علي جسدي.. لازلت سليم لكن هيهات لم البس ثوان إلا لأرى 5 أشخاص يتحركون نحوي و من هيأتهم تري العين إختفاء كل أشكال الحضارة و المدنيه. فهم عراه بالكامل ، مفتولين العضلات كاد يشابه على من اول طلتهم إن كانوا رجال ام إناث لكن حين اقتربوا تيقنت؛ و كيف لا فذكورهم المعلقه فوق خصاهم المترنحه بين ارجلهم واضحة وضوح النهار حتي اني تخيلت باحدهم منتصب و على وجهه ابتسامة مخيفة.. لأ إعرف ان كان على الضحك ام البدء في البكاء، الجانب الساخر في يريد أن ينطق بشتى أنواع النكات أما جانب الخوف في لا يعرف من اين يبدأ، الخوف من ان يتم التهامي حيا فقط ام ان يتم إغتصابي أولا...
"لا تخف لديك بضعة ساعات متبقية في حياتك البائسه" صرخ أحدهم بصوت نافر، قالها و هو يبثق جل ما في فمه علي... لا أعرف ما الذي صدمني أكثر، إنهم يعرفون الكلام ام ان عذابي سيطول؟ لم تطل افكاري فقد بدأ اخر منهم في الحديث بنفس نبرة الصوت الناشذه

"هيا هيا لناخذه للداخل علينا البدء في تقطيعه و تنبيه من اجل حفل العشاء، لا يأتينا طعام طازج مثل هذا كل يوم". تعالت أصوات ضحكاتهم المنفره و قبل أن يفكوا وثاقي إذ احدهم أخذ في لمسي و سريعا تناوب الاخرين في ملامسه جسدي و يشتمونه . هام عقلي في بحر من الأفكار و تاه جسدي في مزيداً من الرعب لا أعرف ما سيكون مصيري فمع كل لمسه من أنملة احدهم على بشرتي ازداد الرعب داخلى و كأن تلك الأصابع شفرات حادة تقطعني.. لكن صاح أحدهم من بعد و هو يقترب، هو ليس مثلهم فإنه يرتدي وشاح من الخوص حول وسطه علي شكل تنوره بدائية و بيده اليمنى يحمل بلطه اقشعر جسدي حين رأيته.. إقترب الرجل و تحدث معهم في لكنه غريبه عني و علي ما يبدو أن اوامره هي ان يفك وثاقي. المكان حولي معبئ برائحة الموت العفنه, اواني طبخ عملاقة يبدو انهم صنعوها من قطع حديد سائحه او ما الي ذلك, اشجار مقطعه وسط دماء جافه على تلك الأرض لكن هنالك شئ ايجابي علي الأقل رائحتهم الطارده تتضائل امام رائحه النسيم المار القادم من الشاطئ, و علي ما يبدو ان الشاطي ليس ببعيد من هنا..

بالكاد جمعت رباط جأشي للوقوف بعد ان حل وثاقي، اقترب مني الرجل اكثر.. "انت ضئيل الحجم مقارنةً بي" خرجت الكلامات منه في صوت اجش ضخم.. "أقطع رقبتي و أنه عذابي" هربت تلك الكلمات من بين شفتاي لا أعرف من أين أتت.. "و أين المتعه في التهامك إذا قتلت بهذه السرعة؟ انا أحب أن الهو بطعامي قليلاً، يجعل للوليمه طعم أروع" جاء الرد و هو يتحرك في دوائر من حولي.. "الم تعلمك امك الا تلعب بطعامك؟" جمعت ما تبقي من شجاعة مبعثرة داخلي فإذا الموت هو مصيري لن اموت جبان بينهم.. "أما أنك جرئ او غبي، في كلتا الحالتين لا يوجد فرق لأنك سوف تموت الآن.. لم تطأ قدم بشر الجزيره منذ مده طويله و عشنا نحن علي صيد المراكب لتخزين الطعام، و كونك أول إنسان حي يجد طريقه الي هنا سوف اعطيك فرصة للنجاه" حين انتهى من الكلام رفع يده اليسري لواحد من العراه فإذ بالاخير يلقي بحربه عند قدمي "التقطتها" همس لي الرجل الضخم "إذا قتلتني لك فرصة للهرب من هنا قبل ان يطاردك باقي العشيره، عند العد للرقم 10؛ إذا قتلتك انا.. إذا انت تموت" حين قال آخر جمله لديه نظر للآخرين من حوله حيث تعالي صوتهم في الضحك.



جمعت شتات نفسي و بدأت أتنفس الهواء الطلق, حين نظرت حولي لأول مره منذ وطأت قدمي هذه الجزيره لا اشعر بالخوف أو الأرتياب.. اعتقد ان عيش تلك اللحظات المرعبه قد افاقتني و اطلقت روحي لعنان السماء ثم عادت مطمئنة لجسدي لوهله لم أظن ان هذه الجزيره تحوي بين طياتها مثل هذا الجمال الخلاب و كم اود ان اجلس لأتأمل هذه الطبيعه الخلابه لكن هيهات لقد قطع الأصلع حبل أفكاري بصوته الناشذ "ماذا حل بك يا فتى؟ امامك ثلاث دقائق, هيا النساء اولأ لك اول خطوه" .لقد تحقق ما كنت اهابه فلم اكترث بعد الأن؟ فا انا ميت في كل الحالات. أعتقد ان ماحدث بعد ذلك مر في وخم سريع ها انا اثني ركبتاي نزولاً لأخذ الحربه, ماذا سأفعل بعد ذلك؟ لا اعلم كل ما اعلمه الأن انني قد وصلت لمرحلة من الصفاء الذهني و التعايش مع واقعي كما هو.. ممسكاً اياه بكلتا يداي حقاً لا اعرف كيف اتصرف لذلك قررت ان اترك عفويتي تسيطر و هو قد ما كان! "1...2...3.." متنفساً ببطأ بدأت في العد, مسرعاً في خطواتي, قدمي اليمنى مثبته للخلف و اليسرى امامي, يدي اليمني مغلقاً بأحكام علي وسط الحربة; وسط ضحكاتهم المتعاليه المنفره لأذناي قررت ان اتحرك. يدي اليمني بذراعي يتحركان للخلف جاعلاً اليسرى تحمي وجهي, يدار جسدي من منطقه الوسط حتي انطلقت الحربه للأمام مندفعة تجاه رأس كبيرهم الأصلع, أما انا.. فلقد أغمضت عيني دون حتي ان أري ماذا حدث جل ما اعرفه ان علي الهرب, اعدو حتي اري مياه البحر الباطش امامي و لا اتوقف حتي اكون بعيداً عن كل هذا.

لا صوت يعلو فوق صوت الصراخ , كل شئ يتحرك ببطئ, أسرع ما في المشهد هو صوت أنفاسي المتقطعه, فحين نظرت للخلف لوهلة قصيره رأيت انني بالفعل نجت في مساعي حربتي نائمه مستريحه بين عيني هذا الرجل مخترقته جمجته لكن ياليت عذابي ينتهي هنا فباقي العراه بدءوا في مسعاهم لقطع رأسي.. يا الله كم هو صعب ان يحاول المرء الركض و عينه تفرض علي رأسه النظر للخلف! ها هم هؤلاء الحمقي يلوحون انصال حاده و قطع من الخشب الجاف نحوي و لم التقط انفاسي و لن استطيع و في وسط كل هذا الرعب الذي يعتريني تشاء الأقدار ان اتعثر في حجر صغير ملقى بالطريق.
"لقد قتلت كبيرنا, الأن يبدأ عذابك" قالها احدهم حين لحق بي, و حتي دون انتظار لرد مني قد لوح نصله للأعلي ثم للأسفل تجاه رأسي... حاولت قدر المستطاع ان احول رأسي للأتجاه الأخر تجنباً للنصل لكن طرفه اصاب الجانب الأيمن من وجهي.. لقد صرت مشوها بفضل ذلكّ!! لقد بفضل هذا الجرح قد اعتارني الغضب العارم ففي لحظات تحول خوفي الي نار تريد الأنتقام لكل العذاب النفسي و الأن البدني الذي رأيته علي هذه الجزيره اللعينه. "اااااه" صارخاً في وجهه,مسرعاً في الركض تجاهه حتي تمكنت من الأستطد
ام به, موقعاً اياه علي الأرض و من ثم صار نصله في حوزتي .. "انا لن اصير طعاما ً لأحد!!!!" تعددت صرخاتي في وجهه. لحظات قليله مرت, وجدت نفسي و الدماء تغطي جسدي و وجهي بالكامل, النصل بيدي و رأس و صدر الرجل مقطعان, لم ادرك ما فعلت الا الأن.. سرت بعيداُ عنه قليلاً و انفاسي تتصاعد ببطئ لم يوقظني من هذه الحاله الا صرخات باقي الرجال المتعاليه القادمه نحوي. تنهدت قليلاً قبل ان اقوي قبضتي حول مقبض النصل "ستكون ليله طويله.." تصاعدت اصوات صراخي قابضة رئتاي, صرخات حامله الالام و غضب في طياتها "حياتي مقابل حياتكم جميعاً و انا اشعر الأن بالجوع!" كلما تعالت صرخاتي تعالت كلماتي معها فلم املك سوي الركض بأقصي سرعه في قدماي.. واضعاً النصل فوق كتفي, ناظراً للموت القادم تجاهي.. لم أستطع تحمل المزيد من هذا الضغط العصبي, حين نظرت ليدي و باقي جسدي و رأيت الدم يغطيهما... أعجبني الوضع لن اكذب.
تنهيده طويله تتابعتها ضحكه عاليه مني.. لم اري حياتي تأخذ هذا المنحني لقد ظننت انني عائد للبيت, و يوماً ما اتزوج فتاه جميله تحبني حتي أموت.. طالت ضحكتي حين ادركت اخيراً واقعي و رأيت الصوره كاملة "شهيتي مفتوحه لمزيد من الدماء.. لما لا؟ و لن اجد طعاماً اشهي من لحم هؤلاء الحمقي." في صوره بطيئه, مسحت باقي الدماء الموجوده علي جسدي و بدأت في اخذ خطوات قليله و بطيئه نحو العدو القادم في عطش لمزيد من المرح.


Comments

Popular posts from this blog

تعلم الأنجليزيه في مليون خطوه (عنوان مضلل)

Labeled

روتين... بقلم يمنى فتحي