إلى أبنائي

أبنائي الأعزاء، اكتب لكم رسالتي هذه على مرأى ومسمع من العالم أجمع، فسامحوني. سامحوني لأنهم خدعوني حينما نادوا بشعار الإستقرار فأنسقت ورائهم دون جدوى، وحين رفعوا أعلام الدين فوجدت نفسي أشهق الأنفاس عبثاً وسامحوني تارة أخرى عندما ملئ عبيق الحرية صدري ومنه زهوت بصيرتي لكني كنت أضعف من التشبث به.  انا اعلم الآن وانا اترك لكم هذه الرسالة بأنني لن أدرك تلك الحرية مرة أخرى، لن يثلج صدري بشدى الصيحات المتعاليه في حب الوطن، بل ربما لن أرى الشمس ساطعةً وعلى كفيها الأيمن والأيسر ورقات حفرت بها أسماء من ولوا وتركوا ورائهم امال عريضة وطموحات وليدة لمحات الحرية التي عشناها.

سامحوني يا أبنائي وسامحوا ضعفي وقلة حيلتي فأنا لم اخلق لكم العالم الذي لا طالما حلمت به لي ولكم. عالم لا يلوح فيه رقيقة ظلم واحده، عالم لا مكان فيه من فقير حيث كل امرئ قادر على كفالة نفسه بنفسه. عالم وهمي ساذج باهت، كان في أفق الواقع للحظات قبل أن يسرق مني ويستبدل بواقع مرير مستبد لا خيار فيه سوى العراء والجوع أو الذل والمهانة. أيادي ممدودة على امتداد البصر، بعضها فقراً وضيق حال وأكثرها بطشً بالخلق. هذا واقعي با أبنائي، واقعي المرير حيث انا سجين. إنني سجين لقمة العيش والبحث عن قوت يومي، سجين كلمة الحق العالقة في حلقي، فإن بحت بها زاد ليل حبسي ظلماً وإن كتمتها مِت غيظاً.

على مدار الساعات والأيام المقبله أبنائي يتجلى ضعفي ظهوراً.. هؤلاء ممن سبق لهم قتلي الآلاف المؤلفة من المرات سوف يطفحون على شاشات التلفزيون وصفحات الجرائد بل بكل وسيلة مسموعة أو مرئية كانت، سيقومون بتأليف روايات وقصص بطولية هشة تحكي كيف تغوطوا في عقلي على مدار الأعوام الماضية وكيف سيقومون بتحويل برازهم إلى قطع من الأحجار الكريمة وبالطبع يا أبنائي لسوف يتظاهر الجمع بالفرحة وهم ينهاَلوا على عقلي بملاعقهم نقلاً واخذا لبراز زعمائنا إلى عقولهم المخوخة. سيزداد الظلم، سيزداد الفقر وسيزداد فجر بطش الجبابرة.. سيزداد الرعاع في التمادي ولن يكتفوا بأرواح أحلامنا الميته فقط، أرواحنا أيضاً على المحك. 

اعيد عليكم سؤالي بأن تسامحوا خور قوتي، فمحاربة لقمة العيش أصعب من محاربة جيش الفساد المحيط بي من كل جانب... لربما اعيش مديدا حتى أرى الخلاص على يديكم، أبنائي، وإذا لم تكن إرادة الله في ذلك فجل املي أن أترك لكن رسالتي هذه تنير لكم شئ من ميراث العتمة والظلمات. إذا ما خانتني كلماتي في البوح بكل مكنونات صدري اعذروني، فقط اعلموا بأنني لطالما أردت أن نبني الوطن سوياً..

لكم أبنائي في ساعته وتاريخه... مواطن مصري.

Comments

Popular posts from this blog

تعلم الأنجليزيه في مليون خطوه (عنوان مضلل)

Labeled

روتين... بقلم يمنى فتحي