ذكريات


الموت... الموت هو الحقيقة الأزلية التي نحاول بقدر الإمكان الإبتعاد عنها. حقاً لا أعلم السبب وراء ذلك مع العلم انه آت آت، فعندما فقدنا جدي من أبي كنت أبلغ من العمر عشر سنوات فقط واتذكر حينها أن والداي حاولوا إخفاء الأمر بكل ما أوتوا من قوة ولكنهم أرادوا الا يحزنوني ولكن يومها علمت من نظرة والدي وكأنه يريد أن يقول إن اليوم لا طلعت له شمس ولا شئ.. و لكني ما أحسست بوحشة الامر... و لكن عام يلي عام وانا اتعلم اكثر عن الحياة وأحاول الوصول لمعاني كل شئ وكل الأحاسيس التي يشعر بها الناس.. و لكنّي ما أحسست بإحساس الموت و الذي هو بالنسبة لي ليس اسمه الموت ولكنّي أُطلق عليه -الفقد- لإن الشخص هو الذي يموت ولكن نحن من نفتقده, فهو تركنا و ذهب بعيداً.

على مشارف نهاية عام ٢٠١٥ أحسست بمرارة ذلك الشئ البغيض عندما فقدت جدي من أمي بعد مشوار طويل مع المرض اللعين ما يقرب من الثلاث سنوات. وفي ذلك اليوم أحسست بنفس نظرة أبي في ذلك اليوم ولكن هذه المرة كانت صادرة منّي فحينها انا راشدة وعرفت معني الفقد وأن يذهب شخص في مكان لاتعرف له طريق.. حينها أتذكر جيدا مدى حزني وأتذكر ايضاً مدى صبر جدتي على ذاك الامر وهي التي كانت تصبّر كل من حولها وهي أشد تألماً.. فالموت يخطف الروح و ليس الجسد.. روح الشخص الذي ذهب وأحاديث السمر فاتذكر عندما كنّا نتجنع عند جدي في البيت كان يجمعنا -نحن الاحفاد- في صفٍ واحد وكان يقول لنا اجلسوا بأدب و لا تصدروا اي صوت حتى نستطيع التكلم مع بعض جميعاً... وكنت انا أول الأحفاد الاناث و كنت دائما اعرض له ما تعلمته من عروض والعاب واغاني وكنت دائما أحب أن افعل له كل شئ بكل ما أوتيت من شغف... وكذلك مع جدتي حينما فارقنا جدي. وعلى مشارف العام الذي يليه تركتنا جدتي في نفس اليوم و لكن قبل شهرين من شهر جدي وقبلها بيوم قالت لنا ان جدي يناديها وهي سوف تذهب له لأنها لا تستطيع ان ترفض له طلب. حينها أحسست بأضعاف تلك الغصة التي تأتي للقلب مرة واحدة.. لماذا تركونا؟ لماذا نتعلق كثيرا بمن حولنا؟ لماذا لا نستطيع تخطي أمرهم فأنا اعلم لماذا لم أشعر بهذا الشعور مع جدي من ابي؟ لإنني ما تعلقت به...

ما تعلمته والذي ايقنته انني محظوظة لأنني املك ذكريات تجمعني بهم على الأقل.. فنحن نعيش على الذكريات من جميع من حولنا. الذين يفارقهم اصدقائهم يعيشون على ذكريات المرح التي كانت تجمعهم. الذين فارقهم احبائهم, فانهم يعيشون على الذكريات. وأخيرا الذين سافروا إلى بلادً أخرى; فأيضاً هم يعيشون على ذكريات الحنين, فالذكريات هي أجمل ما نمتلك; لذلك يجب ان نفتعلها مع كل من نحب, فهي المتبقية بعد الرحيل.

عندما تذهب الى أي مكان يجب أن تترك به بصمة لك كي يتذكرك الناس بعد رحيلك و الأفضل أن تكون بصمة طيبة. عندما تذهب لعملك أو دراستك او حتي بيتك حاول أن تكون ذو روح خفيفة تتعلق سريعاً ما تدخل القلوب. ايضاً حاول أن تفعل الخير أينما كنت لعله يكون منجيك في الآخرة.. حاول ان تسامح الناس وانا اعلم جيداً انه ليس بأمر سهل لذلك قال تعالى "و الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس" فالله عز وجل خصهم بالذكر بهذا الوصف الدقيق وهو كظم الغيظ اي انك تكتمه في صدرك وهو يؤلمك ولكنك تتركه للمدبر وتسامح فهي اطيب واحلى ذكرى تتركها للشخص الذي ظلمك.

المجد كل المجد للذكريات فهي كالعطر الذي نشتمه ونغمض اعيننا عندما نشتمه ونحس بهذا الانتعاش. الذكريات هي التي تتعلق بالقلوب و ليس الأشخاص اذا فكرت للحظة فما الذي تفتقده للذين فارقوك؟ ليس جسدهم ولكن ذكراهم, طريقة فعلهم للشئ, ذكرى الإبتسامات التي تشاركتموها, ذكرى الأحاديث وذكرى العِتاب وذكرى الحُب وكل الأحاسيس ما هي الا ذكريات.

من الاشياء الطريفة التي تذكرتها الآن عندما كنت بالمدرسة كانت دائما توجد جملة مشهورة على الحوائط اينما ذهبت سواء للدروس ام المدرسة نفسها وهي:  "للذكرى الهباب وأيام العذاب" وها انا اقول ليت ايام العذاب ذلك تعود فهي تحمل احلى ذكريات حقاً. واخيراً وليس اخراً الذكريات نسيم الحياة.. حافظُوا على ذكريات من تحبوهم وإعملوا لأجل ذكراكم الخاصة بكم!



Comments

Popular posts from this blog

تعلم الأنجليزيه في مليون خطوه (عنوان مضلل)

Labeled

روتين... بقلم يمنى فتحي